أحكام النيابة في الحج والعمرة
أولاً: تعريف النيابة في الحج والعمرة
هي قيام مسلم بأداء نسك الحج أو العمرة عن غيره لمقتضى شرعي.
ثانياً: مشروعية النيابة في الحج والعمرة:
دلت السنة على مشروعية النيابة في الحج وذلك بالتصريح بجوازها او بإقرار من أراد الحج عن غيره على ذلك وبتشبيه قضاء الحج بقضاء الدين كما دلت السنة أيضا على مشروعية النيابة في بعض أجزاء الحج وأفعاله
وفيما يلي بعض الأحاديث الدالة على ذلك:
1-التصريح بجواز الحج والعمرة عمن لا يستطيع لموت أو عجز:
أ-عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال حج عن ابيك واعتمر.
ب-وعن بريدة رضي الله عنه قال بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقال: إني تصدقت على امي بجارية، وإنها ماتت قال فقال (وجب اجرك وردها عليك الميراث) قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفا صوم عنها قال (صومي عنها) قالت إنها لم تحج قط أفأ حج عنها قال (حجي عنها).
2-تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين:
أ-عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال(نعم حجي عنها ،أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)
ب-وعنه رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو كان عليها دين أكنت قاضيه) قال نعم قال (فاقض الله فهو أحق بالقضاء)
ج-وعن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه قال نعم
وفي رواية: أو ينفعه ذلك يا رسول الله قال (نعم كما لو كان على أحدكم دين فقضاه)
وفي رواية (فإنه لو كان على أبيك دين قضيتهِ)
وفيه دلالة صريحة على أن النيابة في الحج عن غير المستطيع تصح، وتجزئ عنه وتسقط الواجب.
3-إقرار النبي صلى الله عليه وسلم من أراد الحج عن غيره:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسم (ومن شبرمة؟)
قال قريب لي قال (هل حججت قط قال لا قال (فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة) وفي لفظ (هذه عنك).
ثالثاً: فضل النيابة عن الآخرين في الحج والعمرة:
جاءت نصوص الوحي بالحث على معونة المسلم لأخيه المسلم، ومد يد المساعدة له عند حاجته، وتفريج كربته، ما كان ذلك موافقاً لشريعة، يقول تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (...ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة...) الحديث
قال النووي-في كتابه الإيضاح - (وَلَوْ حَج عَنْ غَيْرِهِ كَانَ أعْظَمَ لأجْرِه، وَلَوْ حَج عَنْهُ بأُجْرَةِ فَقَدْ تَرَكَ الأَفْضَلَ لَكِنْ لاَ مَانع مِنْهُ وَهُوَ مِنْ أطْيَبِ الْمَكَاسِبِ فَإِنهُ يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ هَذِهِ الْعِبَادَةُ العَظيمَةُ ويحصلُ لَهُ حُضُورُ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ الشَريفة فَيَسْألُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِه).
والنيابة عن غير المستطيع للحج معونة له على أداء هذه الشعيرة العظيمة، والركن الركين، الذي لن يستطيع القيام به إلا بنيابة غيره عنه، فهي عندئذ تفريج لكربته وهمه اللذين لزماه بسبب أدائه فرض ربه.
والنيابة عن الآخرين فضل، وخير، وبر، وإحسان، ومعروف، بل إن بعض أهل العلم نص على أن قبولها مندوب، والله تعالى يقول (وافعلوا الخير)،ويقول(والله يحب المحسنين)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة )
ويزداد فضل النيابة عن الآخرين في الحج إذا كانت عن أحد الوالدين، أو الأقارب، أو من له حق على النائب، أو لمودة وصحبة بينهما، أو كانت النيابة من فرط رحمته بإخوانه المسلمين ورغبته في إعانتهم على إسقاط الركن عنهم.
رابعاً:في شروط النيابة في الحج:
ذكر الفقهاء-رحمهم الله- ضوابط للنيابة في الحج، اتفقوا على بعضها، واختلفوا في البعض الآخر، فمن هذه الضوابط:
الشرط الأول: النية:
فالنية شرط صحة لجميع الأعمال، لقوله صلى الله عليه وسلم
(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وبالنية تُميز العبادات بعضها عن بعض، فيجب على النائب أن ينوي أن هذه الحجة عن فلان والأفضل أن يقول: لبيك عن فلان، كما في حديث شبرمة المتقدم، فإن نسي اسمه فنوى عن الآمر صح، صح وتكفي نية القلب.
الشرط الثاني: عجز المنوب عنه عن أداء الحج الواجب بنفسه
أجمع أهل العلم على عدم جواز استنابة القادر على الحج لغيره في الحج الواجب.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في الحج عن العاجز والميت، ولم يرخص للقادر ولا يقاس عليه للفارق. فإن عصى وفعل لم يجزه حتى لو عجز بعد ذلك لفقد شرطه.
الشرط الثالث: إذن المنوب عنه إن كان حيا:
جاءت النصوص صريحة في أن الوارث إذا تبرع بالحج عن مورثه، فإن حجه صحيح، وعمله محمود (لأن الوارث خليفة المورث في ماله، فكأنه صار مأموراً بأداء ما عليه)
واتفق القائلون بمشروعية النيابة عن الحي-في المعتمد من مذاهبهم-على منع الحج عنه إلا بإذنه، وعلل بعضهم ذلك بأنها (عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه، كالزكاة، كما أن الحج يفتقر إلى نية، وهو أهل للإذن بخلاف الميت.